د.فاضل البدراني
انحراف بوصلة العنف في العراق وحتى سوريا في الفترة الاخيرة ادى الى ظهور متغيرات ومعطيات لا تخدم مشروع تنظيم داعش في اقامة دولته الاسلامية، و بدا المؤشر يبتعد كثيرا عن مسار الخارطة التي رسمها التطرف منذ مطلع 2014 باحتلاله الفلوجة اول مدينة عراقية امام انهيارات غير مسبوقة للقوات العراقية.
لكن ما الذي أدى الى تبدل الامور لصالح قوات الامن العراقية التي كانت و لحد وقت قريب تخسر دوما مساحات من الارض واخرها الرمادي في العاشر من مايو 2015؟.و من هو الطرف الذي استفاد من تمدد تنظيم داعش بالعراق على مدى السنتين الماضيتين ؟.
من الواضح ان طبيعة الانتصار الذي حققه تنظيم داعش في العراق جاء وفق خاصيتين الاولى هي سياسة الاقصاء التي مارستها الحكومة العراقية السابقة ضد المكون السني الذي أجبرهم ألا يقاتلون بشراستهم المعهودة كما فعلوا ضد تنظيم القاعدة في العام 2006، و ما تلا ذلك التاريخ، والامر الاخر ضعف قدرات الجيش العراقي بسبب فشل البرنامج الحكومي الذي أوجد حالة من الترهل لحق بالمؤسسة العسكرية، وظهر المعلن منه فقط نحو 50 الف جندي فضائي وتحول الجندي من مقاتل يحمل عقيدة عسكرية الى جندي لا يحمل سوى الزي العسكري ويبحث عن الراتب، يقابله متطرف يبحث عن الموت.
و الذي حصل للشعب والجيش في العراق في صفحة داعش 2014 / 2016 جاء ضمن تخطيط جيوسياسي امريكي لالحاق مزيد من الضعف في بنيته الاجتماعية وتركيع من يتخذون الصمود عنوان نهجهم الرافض للاملاءات الغربية.حتى ان واشنطن تركت ثلاث مكونات اجتماعية عراقية تتنافس مع بعضها بعض وكأنها دويلات صغيرة بشهية مفتوحة لسلب اراضي الاخرى مع انعدام الثقة تماما بينها.و فعلا اخذ اقليم كردستان العراق الحليف المقرب للولايات المتحدة بالأنتشار في مناطق شاسعة من اراض عراقية ابتداء من حدود سوريا غربا حتى حدود ايران شرقا، مستفيدا من قدرات قواته “البيشمركة” التي تحظى بتدريب و تسليح غربي منقطع النظير.
وبالمقابل ظهور قوات الحشد الشعبي الشيعية في مواجهة داعش الذي اعلن عن دولته الاسلامية،وطرح نفسه قوة فاعلة ضد قوات البيشمركة الكردية كما حصل في طوز خرماتو في تشرين اول 2015 للحد من طموحات الكرد، بينما ظهر السنة العرب كطرف ضعيف في المعادلة السياسية والعسكرية في العراق يبحثون عن أنفسهم بسبب تمدد داعش في مدنهم وتهجير أبنائهم، و ربما في الايام الماضية تحققت امالهم باعلان تحرير الرمادي التي أنعشت الآمال في أن زوال داعش أقرب مما كان متوقعاً.و عليه فالمعركة التي قلبت موازين الامور ضد المتطرفين في مركز ثقله غربي العراق، يعني ذلك ان واشنطن بادراكها وخططها جعلها تعيد الحربُ ضد داعش ورسمَ خريطة الشرق الأوسط بشكل لا رجعة عنه ربما.
و الخارطة المقترحة للعراق بعد ان اذعنت الاطراف السياسية العراقية،و ابناء مناطق غرب البلاد وحتى جنوبه باستثناء اصوات سياسية غير مسموعة..تنشرها صحف قومية اميركية بغية رسم صورة ذهنية عنها لدى العراقيين بان خارطة جديدة للشرق الاوسط خطها القلم الاميركي باستشارة اسرائيلية بريطانية للعراق و سوريا وبلدان العنف الحالي و بلدان عربية اخرى،و كذلك ايران وتركيا، وان منع تطبيقها يتوقف على توجه بلدان الشرق الاوسط باعادة الثقة فيما بينها ولكنه السهل الممتنع.