هل ترامب ظاهرة أم على دربِ مَنْ سبقوك سِر ؟؟؟

اللواء الركن الدكتور نوري غافل الدليمي
تأزمت العلاقات الإيرانية / الإسرائيلية – الأمريكية أعوام ٢٠٠٩ و ٢٠١٠ على إثر المخاوف من قُرْب أنتاج إيران للأسلحة النووية أو على ألأقل إمتلاك الإمكانيات التي تُسهل انتاج هذه الأسلحة ، وصرنا نسمع عن عشرات آلآف أجهزة الطرد المركزي وعن تخصيب اليورانيوم بنسبة ٢٠٪ وغيرها من الأخبار . تصاعدتْ حِدة التصريحات بين الطرفين ( إيران من جهة وإسرائيل وأمريكا من جهة ثانية )، فكتبتُ تحليلاً طويلاً نشرته بجزئين كمقالتين طويلتين بعنوان ( سيناريو ضربة إسرائيلية – أمريكية على إيران )، جمعتُ فيها أكثر من ( ٣٥) تصريحاً خطراً من قيادات الصف الأول السياسية والعسكرية في البلدان الثلاثة وكلها تُشير على أنّ الضربة واقعة لامحالة ، وتكلمتُ عن خيارات الطرفين والأهداف التي سيتم ضربها في إيران وإسرائيل والعراق والخليج ورسمتُ مسارات الطائرات الإسرائيلية الى الأهداف الإيرانية فيما أكدتُ على خيارات إيران والتركيز على صواريخ الأرض – أرض والأذرع المُسلحة ، وفي الختام قلتُ بل تساءلتُ هل ستتم الضربة ؟ فأجبتُ نفسي ( الله وحده يعلم ثم نتنياهو ثم أوباما ). نعم كُنَّا نسمع تهديدات كانت كلها تقود الى الضربة الاولى عام ٢٠٠٦ في عهد بوش والثانية عام ٢٠١٠ في عهد أوباما ولم يحدث شيئاً.
تابعتُ بل تابعنا الحملة الانتخابية للرئيس ترامب وأكاد أجزم أنه كان أكثر مرشح امريكي إستقطبَ اهتمام العالم لأمور عديدة لا نريد سردها هُنَا ، لكن ما يهمني هُنَا أنّ الرجل كان صريحاً جداً في القول ( أنّ السياسة يجب أنْ تخدم الأقتصاد وبالعكس ) ، ولا يكاد أنْ يمر تصريح له لم يذكر فيه ( الدولار ) و ( الاقتصاد ) كيف لا وهو رجل الأعمال والملياردير صاحب هذه الإمبراطورية ، كان صريحاً جداً ( لا حماية دون الدولار ) ( لا تحرير دون النفط والدولار ).
الآن مضى على الرجل عدة اسابيع وتوالى توقيعه للمراسيم الرئاسية لتنفيذ الوعود التي أطلقها ، لكن الذي يهمني هُنَا ما يلي :
– ترامب أكدَ في حملته الانتخابية على نقل السفارة الأمريكية الى القدس واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل وحق الاستيطان لليهود ، فماذا حدث ؟
قَالَ ترامب إنّ موضوع نقل السفارة الأمريكية الى القدس خطوة خطيرة ومهمة وتتطلب المزيد من التفكير والتخطيط ، وإن المستوطنات الجديدة ربما تُعيق عملية السلام في الشرق الأوسط.
– ترامب هدد إيران بإجراءات رادعة وأوعد بإلغاء الاتفاقية النووية مع إيران ووعد بالمزيد من العقوبات الاقتصادية ( التي رفعها أوباما وأدرت بلايين الدولارات لصالح إيران ).
هذه الأيام تصاعدت نبرة تهديدات الطرفين الإيراني والأمريكي لبعضهما وهذه المرة أصبحت التهديدات بالمباشر وعلى لسان رئيس أمريكا ورئيس إيران ، كُلُّ يتوعد الآخر بالويل والثبور.
العرب كعادتهم طرف إصطف مع امريكا وآخر مع إيران والثالث ساكت ينتظر ما سيولد ، إيران امكاناتها مُمثّلة بسلاح الصواريخ والجيوش المُسلحة ( وأقصد الحرس الثوري والتنظيمات المُرتبطة به ) المُنتشرة قُرْب المواقع الأمريكية في الكثير من البلاد العربية ، بمعنى سترد ايران بالصواريخ على اسرائيل والقواعد الامريكية في دول الخليج العربي والعراق وافغانستان فضلاً عن الهجمات المسلحة من قبل تنظيمات مؤيدة وموالية لإيران ، فضلاً عن استخدام زوارق الصواريخ السريعة والصواريخ البحرية في ضرب القطع الامريكية والمُساندة لها في الخليج العربي وستسعى الى غلق مضيق هرمز بالألغام والغوارق والزوارق والمدفعية والصواريخ البحرية . فيما ستستخدم امريكا وإسرائيل سلاح الطيران والصواريخ الجوالة لضرب المنشآت النووية ومراكز القيادة والسيطرة ومراكز الثقل الاخرى في ايران والمنشآت النفطية ومراكز إطلاق الصواريخ وووو ، وستفرض حضر على الخطوط الجوية الجوية الإيرانية تمنعها من التواصل مع العالم .
بكل الأحوال يمكن استناج ما يلي :
– لا مجال في مُقارنة إمكانات الطرفين ( ايران – امريكا / اسرائيل ) في النواحي العسكرية والاقتصادية بل وحتى السياسية .
– ستُدار المعارك على أرض العرب وبمصطلح أدق فإن دول الخليج العربي وسوريا ولبنان والعراق هي ساحات الحرب .
– ستجد معظم الدول العربية نفسها أنها مُرغمة للدخول مع هذا الطرف أو ذاك شاءت أم أبت ، وربما سيحدث انقسام ضمن الدول نفسها بين حكوماتها وأجزاء من شعوبها بحيث نجد الموقف الرسمي شيء والموقف الشعبي شيء آخر.
هل ستحدث المواجهة العسكرية؟
إذا ابتعدنا عن الأهواء والتمنيات والتخيلات وكُنا واقعيين وحللنا المُعطيات السياسية والاقتصادية ودرسنا الجيوبولتكس بدقة فسوف نصل الى خاتمة مفادها أنّ المواجهة العسكرية الشاملة لن تحدث .
ما الذي سيحدث ؟
ربما يفرض الرئيس ترامب عقوبات اقتصادية وعقوبات مقاطعة سياسية وربما يضع الكثير من التنظيمات والأشخاص ضمن القوائم الإرهابية وربما يُلغي أو يُعدل الاتفاقية النووية وربما يُحدد أو حتى يمنع التدخل الإيراني في سوريا ولبنان واليمن والعراق وربما يُحدد من قوة احزاب الاسلام السياسي في عموم المنطقة .
سمعنا تهديدات بوش والذين سبقوه وتهديدات أوباما ضد ايران واليوم نسمع تهديدات أعنف وأقل دبلوماسية من ترامب ولكن المُعطيات تقول أنّ المواجهة العسكرية المُباشرة لن تحدث ، وسوف يسير ترامب على خُطى مَنْ سبقوه ، ولكن حتى لا يتهمنا أحد بمحاولة التقليل من حقيقة التهديدات اختم بما ختمتُ به قبل حوالي ٧ سنوات بالقول ( الله وحده يعلم ثم نتنياهو ثم ترامب أعلم ).